عشاق وعاشقات اهل البيت عليهم السلام
هلا بيكم في منتدى عشاق وعاشقات اهل البيت عليهم السلام نرجو تسجيلكم في المنتدى ومساعدتنا في نشر علوم اهل البيت عليهم السلام ونرحب بكم مر وقضاء وقت ممتع معنا ادارة المنتدى
عشاق وعاشقات اهل البيت عليهم السلام
هلا بيكم في منتدى عشاق وعاشقات اهل البيت عليهم السلام نرجو تسجيلكم في المنتدى ومساعدتنا في نشر علوم اهل البيت عليهم السلام ونرحب بكم مر وقضاء وقت ممتع معنا ادارة المنتدى
عشاق وعاشقات اهل البيت عليهم السلام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عشاق وعاشقات اهل البيت عليهم السلام

عشاق الحسين اهالي ذي قار (الناصرية)
 
الرئيسيةاتصل بناأحدث الصورالتسجيلدخولfacebookفي حب الحسين
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
مايو 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
   1234
567891011
12131415161718
19202122232425
262728293031 
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



اللهم صل على محمد وال محمد
صلوات على محمد وال محمد اللهم صل على محمد وال محمد

 

 الميزان في تفسير القران الكريم الجزء الثامن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 940
نقاط : 2781
من لم يشكر الناس لم يشكر الله : 0
تاريخ التسجيل : 17/07/2012
العمر : 28
الموقع : back95.allahmountada.com

الميزان في تفسير القران الكريم الجزء الثامن Empty
مُساهمةموضوع: الميزان في تفسير القران الكريم الجزء الثامن   الميزان في تفسير القران الكريم الجزء الثامن Icon_minitimeالأحد سبتمبر 23, 2012 3:33 pm

للتراث والفكر الإسلامي
الصفحة 16

اقتباس :
وفي الاحتجاج في حديث هشام بن الحكم عن الصادق (عليه السلام) أنه سأله الزنديق فقال أو ليس يوزن الاعمال؟ قال: لا إن الاعمال ليست بأجسام وإنما هي صفة ما عملوا، وإنما يحتاج إلى وزن الشئ من جهل عدد الاشياء، ولا يعرف ثقلها وخفتها، وإن الله لا يخفى عليه شئ، قال: فما معنى الميزان؟ قال: العدل.
قال: فما معناه في كتابه فمن ثقلت موازينه؟ قال: فمن رجح عمله، الخبر.
أقول: وفي الرواية تأييد ما قدمناه في تفسير الوزن، ومن ألطف ما فيها قوله (عليه السلام) " وإنما هي صفة ما عملوا " يشير (عليه السلام) إلى أن ليس المراد بالاعمال في هذه الابواب هو الحركات الطبيعية الصادرة عن الانسان لاشتراكها بين الطاعة والمعصية بل الصفات الطارئة عليها التي تعتبر لها بالنظر إلى السنن والقوانين الاجتماعية أو الدينية مثل الحركات الخاصة التي تسمى وقاعا بالنظر إلى طبيعة نفسها ثم تسمى نكاحا إذا وافقت السنة الاجتماعية أو الاذن الشرعي، وتسمى زنا إذا لم توافق ذلك، وطبيعة الحركات الصادرة واحدة، وقد استدل (عليه السلام) لما ذكره من طريقين: أحدهما: أن الاعمال صفات لا وزن لها والثاني: أن الله سبحانه لا يحتاج إلى توزين الاشياء لعدم اتصافه بالجهل تعالى شأنه.
قال بعضهم: إنه بناء على ما هو الحق من تجسم الاعمال في الآخرة، وإمكان تأثير
حسن العمل ثقلا فيه، وكون الحكمة في الوزن تهويل العاصي وتفضيحه وتبشير المطيع وازدياد فرحه وإظهار غاية العدل، وفي الرواية وجوه من الاشكال فلا بد من تأويلها إن أمكن وإلا فطرحها أو حملها على التقية، انتهى.
أقول: قد تقدم البحث عن معنى تجسم الاعمال وليس من الممتنع أن يتمثل الاعمال عند الحساب، والعدل الالهي القاضي فيها في صورة ميزان توزن به أمتعة الاعمال وسلعها لكن الرواية لا تنفي ذلك وإنما تنفي كون الاعمال أجساما دنيوية محكومة بالجاذبية الارضية التي تظهر فيها في صورة الثقل والخفة، أولا.
والاشكال مبني على كون كيفية الوزن بوضع الحسنات في كفة من الميزان.
والسيئات في كفة أخرى ثم الوزن والقياس، وقد عرفت: أن الآية بمعزل عن الدلالة على ذلك أصلا، ثانيا.
وفي التوحيد بإسناده عن أبي معمر السعداني عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث
الصفحة 17

قال: وأما قوله: " فمن ثقلت موازينه وخفت موازينه " فإنما يعني الحسنات توزن الحسنات والسسيئات فالحسنات ثقل الميزان والسيئات خفة الميزان.
أقول: وتأييده ما تقدم ظاهر فإنه يأخذ المقياس هو الحسنة وهي لا محالة واحدة يمكن أن يقاس بها غيرها، وليست إلا حق العمل.
وفي المعاني بإسناده عن المنقري عن هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزوجل: " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا " قال: هم الانبياء والاوصياء.
أقول: ورواه في الكافي عن أحمد بن محمد عن إبراهيم الهمداني رفعه إليه (عليه السلام)، ومعنى الحديث ظاهر بما قدمناه فإن المقياس هو حق العمل والاعتقاد، وهو الذي عندهم (عليهم السلام).
وفي الكافي بإسناده عن سعيد بن المسيب عن علي بن الحسين (عليه السلام) فيما كان يعظ به قال: ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب فقال عزوجل: " ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين " فإن قلتم أيها الناس إن الله عزوجل إنما عني بها أهل الشرك فكيف ذلك؟ وهو يقول: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كانت مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين فاعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين وإنما يحشرون إلى جهنم زمرا، وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لاهل الاسلام، الخبر.
أقول: يشير (عليه السلام) إلى قوله تعالى: " فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا " الآية.
وفي تفسير القمي: في قوله: " والوزن يومئذ الحق " الآية قال (عليه السلام): المجازاة بالاعمال إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا.
أقول: وهو تفسير بالنتيجة.
وفيه: في قوله تعالى: " بما كانوا بآياتنا يظلمون " قال (عليه السلام): بالائمة يجحدون.
أقول: وهو من قبيل ذكر بعض المصاديق وفي المعاني المتقدمة روايات أخر.
الصفحة 18

ولقد مكناكم في الارض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون - 10.
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين - 11.
قال ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين - 12.
قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين - 13.
قال أنظرني إلى يوم يبعثون - 14.
قال إنك من المنظرين - 15.
قال فبما أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم - 16.
ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين - 17.
قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لاملان جهنم منكم أجمعين - 18.
ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين - 19.
فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري من سوآتهما وقال ما نهيكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين - 20.
وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين - 21.
فدليهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناديهما ربهما أ لم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين - 22.
الصفحة 19

قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين - 23.
قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين - 24.
قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون - 25.
(بيان) تصف الآيات بدء خلقة الانسان وتصويره، وما جرى هناك من أمر الملائكة بالسجدة له، وسجودهم وإباء إبليس، وغروره آدم وزوجته، وخروجهما من الجنة وما قضى الله في ذلك من القضاء.
قوله تعالى: " ولقد مكناكم في الارض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون " التمكين في الارض هو الاسكان والايطان فيها أي جعلنا مكانكم الارض، ويمكن أن يكون من التمكين بمعنى الاقدار والتسليط، ويؤيد المعنى الثاني أن هذه الآيات
تحاذي بنحو ما في سورة البقرة من قصة آدم وإبليس وقد بدئت الآيات فيها بقوله: " هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا " البقرة: 29، وهو التسليط والتسخير.
غير أن هذه الآيات التي نحن فيها لما كانت تنتهي إلى قوله: " ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين " كان المعنى الاول هو الانسب وقوله: " ولقد مكناكم في الارض " (الخ) كالاجمال لما تفصله الآيات التالية إلى آخر قصة الجنة.
والمعايش جمع معيشة وهي ما يعاش به من مطعم أو مشرب أو نحوها، والآية في مقام الامتنان عليهم بما أنعم الله عليهم من نعمة سكنى الارض أو التسلط والاستيلاء عليها، وجعل لهم فيها من أنواع ما يعيشون به، ولذلك ختم الكلام بقوله: " قليلا ما تشكرون ".
قوله تعالى: " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " صورة
الصفحة 20

قصة تبتدئ من هذه الآية إلى تمام خمس عشرة آية يفصل فيها إجمال الآية السابقة وتبين فيها العلل والاسباب التي انتهت إلى تمكين الانسان في الارض المدلول عليه بقوله: " ولقد مكناكم في الارض وجعلنا لكم فيها معايش ".
ولذلك بدئ الكلام في قوله: " ولقد خلقناكم " (الخ) بلام القسم، ولذلك أيضا سيقت القصتان أعني قصة الامر بالسجدة، وقصة الجنة في صورة قصة واحدة من غير أن تفصل القصة الثانية بما يدل على كونها قصة مستقلة كل ذلك ليتخلص إلى قوله: " قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر " إلى آخر الآيتين فينطبق التفصيل على إجمال قوله: " ولقد مكناكم في الارض " الآية.
وقوله: " ولقد خلقناكم ثم صورناكم " الخطاب فيه لعامة الآدميين وهو خطاب امتناني كما مر نظيره في الآية السابقة لان المضمون هو المضمون وإنما يختلفان بالاجمال والتفصيل.
وعلى هذا فالانتقال في الخطاب من العموم إلى الخصوص أعني قوله: " ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " بعد قوله: " ولقد خلقناكم ثم صورناكم " يفيد بيان حقيقتين: الاولى: أن السجدة كانت من الملائكة لجميع بني آدم أي للنشأة الانسانية وإن كان آدم (عليه السلام) هو القبلة المنصوبة للسجدة فهو (عليه السلام) في أمر السجدة كان مثالا يمثل به الانسانية نائبا مناب أفراد الانسان على كثرتهم لا مسجودا له من جهة شخصه كالكعبة المجعولة قبلة يتوجه إليها في العبادات، وتمثل بها ناحية الربوبية.
ويستفاد هذا المعنى أولا من قصة الخلافة المذكورة في سورة البقرة آية 30 - 33 فإن المستفاد من الآيات هناك أن أمر الملائكة بالسجدة متفرع على الخلافة، والخلافة المذكورة في الآيات كما استفدناه هناك - غير مختصة بادم بل جارية في عامة الآدميين فالسجدة أيضا للجميع.
وثانيا: أن إبليس تعرض لهم أي لبني آدم ابتداء من غير توسيط آدم ولا تخصيصه (عليه السلام) بالتعرض حين قال على ما حكاه الله سبحانه: " فبما أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم " (الخ) من غير سبق ذكر لبني آدم، وقد ورد نظيره في سورة الحجر حيث قال: " رب بما أغويتني لازينن لهم في
الصفحة 21

الارض ولاغوينهم أجمعين " الحجر: 39، وفي سورة ص حيث قال: " فبعزتك لاغوينهم إجمعين " ص: 82، ولو لا أن الجميع مسجودون بنوعيتهم للملائكة لم يستقم له أن ينقم منهم هذه النقمة ابتداء وهو ظاهر.
وثالثا: أن الخطابات التي خاطب الله سبحانه بها آدم (عليه السلام) كما في سورة البقرة وسورة طه عممها بعينها في هذه السورة لجميع بنيه، قال تعالى: " يا بني آدم إما يأينكم رسل منكم " الخ.
والحقيقة الثانية: أن خلق آدم (عليه السلام) كان خلقا للجميع كما يدل عليه أيضا قوله تعالى: " وبدء خلق الانسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين " السجدة: 8 وقوله: " هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة " المؤمن: 67، على ما هو ظاهر الآيتين أن المراد بالخلق من تراب هو الذي كان في آدم (عليه السلام).
ويشعر بذلك أيضا قول إبليس في ضمن القصة على ما حكاه الله سبحانه في سورة أسرى: " لئن أخرتن إلى يوم القيامة لاحتنكن ذريته إلا قليلا " الآية، ولا يخلو عن إشعار به أيضا قوله تعالى: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم " الآيات الاعراف: 172 على ما سيجئ من بيانه.
وللمفسرين في الآية أقوال مختلفة قال في مجمع البيان: ثم ذكر سبحانه نعمته في ابتداء الخلق فقال: " ولقد خلقناكم ثم صورناكم " قال الاخفش: " ثم " هيهنا في معنى الواو، وقال الزجاج: وهذا خطأ لا يجوزه الخليل وسيبويه وجميع من يوثق بعلمه إنما " ثم " للشئ الذي يكون بعد المذكور قبله لا غير، وإنما المعنى في هذا الخطاب ذكر إبتداء الخلق أولا فالمراد أنا بدأنا خلق آدم ثم صورناه فابتدأ خلق آدم من التراب ثم وقعت السورة بعد ذلك فهذا معنى خلقناكم ثم صورناكم " ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " بعد الفراغ من خلق آدم، وهذا مروي عن الحسن، ومن كلام العرب: فعلنا
بكم كذا وكذا وهم يعنون أسلافهم، وفي التنزيل: " وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور " أي ميثاق أسلافكم.
وقد قيل في ذلك أقوال أخر: منها أن معناه خلقنا آدم ثم صورناكم في ظهره ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، عن ابن عباس ومجاهد والربيع وقتادة والسدي.
الصفحة 22

ومنها: أن الترتيب واقع في الاخبار فكأنه قال: خلقناكم ثم صورناكم ثم إنا نخبركم أنا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم كما يقول القائل: أنا راجل ثم أنا مسرع، وهذا قول جماعة من النحويين منهم على بن عيسى والقاضي أبو سعيد السيرافي وغيرهما، وعلى هذا فقد قيل: إن المعنى: خلقناكم في أصلاب الرجال ثم صورناكم في أرحام النساء عن عكرمة وقيل خلقناكم في الرحم ثم صورناكم بشق السمع والبصر وسائر الاعضاء انتهى.
أما ما نقله عن الزجاج من الوجه ففيه أولا أن نسبة شئ من صفات السابقين أو أعمالهم إلى أعقابهم إنما تصح إذا اشترك القبيلان في ذلك بنوع من الاشتراك كما فيما أورده من المثال لا بمجرد علاقة النسب والسبق واللحوق حتى يصح بمجرد الانتساب النسلي أن تعد خلقة نفس آدم خلقا لبنيه من غير أن يكون خلقه خلقا لهم بوجه.
وثانيا: أن ما ذكره لو صح به أن يعد خلق آدم وتصويره خلقا وتصويرا لبنيه صح أن يعد إمر الملائكة آبالسجدة له أمرا لهم بالسجدة لبنيه كما جرى على ذلك في قوله: " وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور " فما باله قال: " ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " ولم يقل: " ثم قلنا للملائكة اسجدوا للانسان ".
وأما ما نقله أخيرا من أقوالهم فوجوه سخيفة غير مفهومة من لفظ الآية، ولعل القائلين بها لا يرضون أن يتأول في كلامهم أنفسهم بمثل هذه الوجوه فكيف يحمل على مثلها أبلغ الكلام؟.
قوله تعالى: " فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين " أخبر تعالى عن سجود الملائكة جميعا كما يصرح به في قوله: " فسجد الملائكة كلهم أجمعون " الحجر: 30، واستثنى منهم إبليس وقد علل عدم ائتماره بالامر في موضع آخر بقوله: " كان من الجن ففسق عن أمر ربه " الكهف: 50، وقد وصف الملائكة بمثل قوله: " بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " الانبياء: 27، وهو بظاهره يدل على أنه من غير نوع الملائكة.
ولهذا وقع الخلاف بينهم في توجيه هذا الاستثناء: أ هو استثناء متصل بتغليب الملائكة لكونهم أكثر وأشرف أو أنه استثناء منفصل وإنما أمر بأمر على حده غير
الصفحة 23

الامر المتوجه إلى جمع الملائكة وإن كان ظاهر قوله: " ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك " أن الامر لم يكن إلا واحدا وهو الذي وجهه الله إلى الملائكة.
والذي يستفاد من ظاهر كلامه تعالى أن إبليس كان مع الملائكة من غير تميز له منهم والمقام الذي كان يجمعهم جميعا كان هو مقام القدس كما يستفاد من قصة ذكر الخلافة " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة قالوا أ تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " البقرة: 30، وأن الامر بالسجود إنما كان متوجها إلى ذلك المقام أعني إلى المقيمين بذلك المقام من جهة مقامهم كما يشير إليه قوله تعالى في ما سيأتي: " قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها " والضمير إلى المنزلة أو إلى السماء أو الجنة ومالهما إلى المنزلة والمقام ولو كان الخطاب متوجها إليهم من غير دخل المنزلة والمقام في ذلك لكان من حق الكلام أن يقال: " فما يكون لك أن تتكبر ".
وعلى هذا لم يكن بينه وبين الملائكة فرق قبل ذلك؟ وعند ذلك تميز الفريقان، وبقي الملائكة على ما يقتضيه مقامهم ومنزلتهم التي حلوا فيها، وهو الخضوع العبودي والامتثال كما حكاه الله عنهم: " بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " فهذه حقيقة حياة الملائكة وسنخ أعمالهم، وقد بقوا على ذلك وخرج ابليس من المنزلة التي كان يشاركهم فيها كما يشير إليه قوله: " كان من الجن ففسق عن أمر ربه " والفسق خروج التمرة عن قشرها فتميز منهم فأخذ حياة لا حقيقة لها إلا الخروج من الكرامة الالهية وطاعة العبودية.
والقصة وإن سيقت مساق القصص الاجتماعية المألوفة بيننا وتضمنت أمرا وامتثالا وتمردا و احتجاجا وطردا ورجما وغير ذلك من الامور التشريعية والمولوية غير أن البيان السابق على استفادته من الآيات يهدينا إلى كونها تمثيلا للتكوين بمعنى أن ابليس على ما كان عليه من الحال لم يقبل الامتثال أي الخضوع للحقيقة الانسانية فتفرعت عليه المعصية، ويشعر به قوله تعالى: " فما يكون لك أن تتكبر فيها " فإن ظاهره أن هذا المقام لا يقبل لذاته التكبر فكان تكبره فيه خروجه منه وهبوطه إلى ما هو دونه.
على أن الامر بالسجود - كما عرفت - أمر واحد توجه إلى الملائكة وابليس
الصفحة 24

جميعا بعينه، والامر المتوجه إلى الملائكة ليس من شأنه أن يكون مولويا تشريعيا بمعنى الامر المتعلق بفعل يتساوى نسبة مأموره إلى الطاعة والمعصية والسعادة والشقاوة
فإن الملائكة مجبولون على الطاعة مستقرون في مقر السعادة كما أن ابليس واقع في الجانب المخالف لذلك على ما ظهر من أمره بتوجيه الامر إليه.
فلو لا أن الله سبحانه خلق آدم وأمر الملائكة وابليس جميعا بالسجود له لكان ابليس على ما كان عليه من منزلة القرب غير متميز من الملائكة لكن خلق الانسان شق المقام مقامين: مقام القرب ومقام البعد، وميز السبيل سبيلين: سبيل السعادة وسبيل الشقاوة.
قوله تعالى: " قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " يريد ما منعك أن تسجد كما وقع في سورة ص من قوله: " قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " ص: 75، ولذلك ربما قيل: إن " لا " زائدة جيئ بها للتأكيد كما في قوله: " لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ من فضل الله " الحديد: 29.
والظاهر أن " منع " مضمن نظير معنى حمل أو دعا والمعنى: ما حملك أو ما دعاك على أن لا تسجد مانعا لك.
وقوله: " قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " يحكط عما أجاب به لعنه الله، وهو أول معصيته وأول معصية عصى بها الله سبحانه فإن جميع المعاصي ترجع بحسب التحليل إلى دعوى الانية ومنازعة الله سبحانه في كبريائه، وله رداء الكبرياء لا شريك له فيه، فليس لعبد مخلوق أن يعتمد على ذاته ويقول: أنا قبال الانية الالهية التي عنت له الوجود، وخضعت له الرقاب، وخشعت له الاصوات، وذل له كل شئ.
ولو لم تنجذب نفسه إلى نفسه، ولم يحتبس نظره في مشاهدة إنيته لم يتقيد باستقلال ذاته، وشاهد الاله القيوم فوقه فذلت له إنيته ذلة تنفي عنه كل استقلال وكبرياء فخضع للامر الالهي، وطاوعته نفسه في الايتمار والامتثال، ولم تنجذب نفسه إلى ما كان يتراءى من كونه خيرا منه لانه من النار وهو من الطين بل انجذبت نفسه إلى
الصفحة 25

الامر الصادر عن مصدر العظمة والكبرياء ومنبع كل جمال وجلال.
وكان من الحرى إذا سمع قوله: " ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك " أن يأتي بما يطابقه من الجواب كأن يقول: منعني أني خير منه لكنه أتى بقوله: " أنا خير منه " ليظهر به الانية، ويفيد الثبات والاستمرار، ويستفاد منه أيضا أن المانع له من السجدة ما يرى لنفسه من الخيريه فقوله: " أنا خير منه " أظهر وآكد في إفادة التكبر.
ومن هنا يظهر أن هذا التكبر هو التكبر على الله سبحانه دون التكبر على آدم.
ثم إنه في قوله: " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " استدل على كونه خيرا من آدم بمبدء خلقته وهو النار وأنها خير من الطين الذي خلق منه آدم، وقد صدق الله سبحانه ما ذكره من مبدأ خلقته حيث ذكر أنه كان من الجن، وأن الجن مخلوق من النار قال تعالى: " كان من الجن ففسق عن أمر ربه " الكهف: 50 وقال: " ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم " الحجر: 27، وقال أيضا: " خلق الانسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار " الرحمن: 15.
لكنه تعالى لم يصدقه فيما ذكره من خيريته منه فإنه تعالى وإن لم يرد عليه قوله " أنا خير منه خلقتني من نار " الخ، في هذه السورة إلا أنه بين فضل آدم عليه وعلى الملائكة في حديث الخلافة الذي ذكره في سورة البقرة للملائكة.
على أنه تعالى ذكر القصة في موضع آخر بقوله: " إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " الخ، ص: 76.
فبين أولا أنهم لم يدعوا إلى السجود له لمادته الارضية التي سوي منها، وإنما دعوا إلى ذلك لما سواه ونفخ فيه من روحه الخاص به تعالى الحاملة للشرف كل الشرف
الصفحة 26

والمتعلقة لتمام العناية الربانية ويدور أمر الخيرية في التكوينيات مدار العناية الالهية لا لحكم من ذواتها فلا حكم إلا لله.
ثم بين ثانيا لما سأله عن سبب عدم سجوده بقوله: " ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " أنه تعالى اهتم بأمر خلقته كل الاهتمام واعتنى به كل الاعتناء حيث خلقه بكلتا يديه بأي معنى فسرنا اليدين، وهذا هو الفضل فأجاب لعنه الله بقوله: " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " فتعلق بأمر النار والطين، وأهمل أمر تكبره على ربه كما أنه في هذه السورة سئل عن سبب تكبره على ربه إذ قيل له: " ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك " فتعلق بقوله: " أنا خير منه " الخ، ولم يعتن بما سئل عنه أعني السبب في تكبره على ربه إذ لم يأتمر بأمره.
بلى قد اعتنى به إذ قال: " أنا خير منه " فأثبت لنفسه استقلال الانية قبال الانية الالهية التي قهرت كل شئ فاستدعاه ذلك إلى نسيان كبريائه تعالى ووجد نفسه مثل ربه وأن له استقلالا كاستقلاله، وأوجب ذلك
أن أهمل وجوب امتثال امره لانه الله بل اشتغل بالمرجحات فوجد الترجيح للمعصية على الطاعة وللتمرد على الانقياد وليس إلا أن تكبره بإثبات الانية المستقلة لنفسه أعمى بصره فوجد مادة نفسه وهي النار خيرا من مادة نفس آدم وهي الطين فحكم بأنه خير من آدم، ولا ينبغي للفاضل أن يخضع بالسجود لمفضوله، وإن أمر به الله سبحانه لانه يسوي بنفسه نفس ربه بما يرى لنفسه من استقلال وكبرياء كاستقلاله فيترك الآمر ويتعلق بالمرجحات في الامر.
وبالجملة هو سبحانه الله الذي منه يبتدئ كل شئ وإليه يرجع كل شئ فإذا خلق شيئا وحكم عليه بالفضل كان له الفضل والشرف واقعا بحسب الوجود الخارجي وإذا خلق شيئا ثانيا وأمره بالخضوع للاول كان وجوده ناقصا مفضولا بالنسبه إلى ذلك الاول فإن المفروض أن أمره أما نفس التكوين الحق أو ينتهي إلى التكوين فقوله الحق والواجب في امتثال أمره أن يمتثل لانه أمره لا لانه مشتمل على مصلحة أو جهة من جهات الخير والنفع حتى يعزل عن ربوبيته ومولويته ويعود زمام الامر والتأثير إلى المصالح والجهات، وهي التي تنتهي إلى خلقه وجعله كسائر الاشياء من غير فرق.
فجملة ما تدل عليه آيات القصة أن إبليس أنما عصى واستحق الرجم بالتكبر على
الصفحة 27

الله في عدم امتثال أمره، وأن الذي أظهر به تكبره هو قوله: " أنا خير منه " وقد تكبر فيه على ربه كما تقدم بيانه وإن كان ذلك تكبرا منه على آدم حيث إنه فضل نفسه عليه واستصغر أمره وقد خصه الله بنفسه وأخبرهم بأنه أشرف منهم في حديث الخلافة وفي قوله: " ونفخت فيه من روحي " وقوله: " خلقت بيدي " إلا أن العناية في الآيات باستكباره على الله لا استكباره على آدم.
ومن الدليل على ذلك قوله تعالى: " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه " الكهف: 50 حيث لم يقل: فاستنكف عن الخضوع لآدم بل إنما ذكر الفسق عن أمر الرب تعالى.
فتلخص أن آيات القصة إنما تعتني بمسألة استعلائه على ربه، وأما استكباره على آدم وما احتج به على ذلك فذلك من المدلول عليه بالتبع، والظاهر أنه هو السر في عدم التعرض للجواب عن حجته صريحا إلا ما يؤمي إليه بعض أطراف الكلام كقوله: " خلقت بيدي " وقوله: " ونفخت فيه من روحي " وغير ذلك.
فإن قلت: القول بكون الامر بالسجود تكوينيا ينافي ما تنص عليه الآيات من معصية إبليس فإن القابل للمعصية والمخالفة إنما هو الامر التشريعي وأما الامر التكويني فلا يقبل المعصية والتمرد البتة فإنه كلمة الايجاد الذي لا يتخلف عنه الوجود قال: " إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " النحل: 40.
قلت: الذي ذكرناه آنفا أن القصة بما تشتمل عليه بصورتها من الامر والامتثال والتمرد والطرد وغير ذلك وإن كانت تتشبه بالقضايا الاجتماعية المألوفة فيما بيننا لكنها تحكي عن جريان تكويني في الروابط الحقيقية التي بين الانسان والملائكة وإبليس فهي في الحقيقة تبين ما عليه خلق الملائكة وإبليس وهما مرتبطان بالانسان، وما تقتضيه طبائع القبيلين بالنسبة إلى سعادة الانسان وشقائه، وهذا غير كون الامر تكوينيا.
فالقصة قصة تكوينية مثلت بصورة نألفها من صور حياتنا الدنيوية الاجتماعية كملك من الملوك أقبل على واحد من عامة رعيته لما تفرس منه كمال الاستعداد وتمام القابلية فاستخلصه لنفسه وخصه بمزيد عنايته، وجعله خليفته في مملكته مقدما له على خاصته ممن حوله فأمرهم بالخضوع لمقامه والعمل بين يديه فلباه في دعوته وامتثال
الصفحة 28

أمره جمع منهم، فرضي عنهم بذلك وأقرهم على مكانتهم، واستكبر بعضهم فخطأ الملك في أمره فلم يمتثله معتلا بأنه أشرف منه جوهرا وأغزر عملا فغضب عليه وطرده عن نفسه وضرب عليه الذلة والصغار لان الملك إنما يطاع لانه ملك بيده زمام الامر وإليه إصدار الفرامين والدساتير، وليس يطاع لان ما أمر به يطابق المصلحة الواقعية فإنما ذلك شأن الناصح الهادي إلى الخير والرشد.
وبالتأمل في هذا المثل ترى أن خاصة الملك - أعم من المطيع والعاصي - كانوا متفقين قبل صدور الامر في منزلة القرب مستقرين في مستوى الخدمة وحظيرة الكرامة من غير أي تميز بينهم حتى أتاهم الامر من ذي العرش فينشعب الطريق عند ذلك إلى طريقين ويتفرقون طائفتين طائفة مطيعة مؤتمرة وإخرى عاصية مستكبرة وتظهر من الملك بذلك سجاياه الكامنة ووجوه قدرته وصور إرادته من رحمة وغضب وتقريب وتبعيد وعفو ومغفرة وأخذ وانتقام ووعد ووعيد وثواب وعقاب، والحوادث كالمحك يظهر باحتكاكه جوهر الفلز ما عنده من جودة أو رداءة.
فقصة سجود الملائكة وإباء إبليس تشير إلى حقائق تشابه بوجه ما يتضمنه هذا المثل من الحقائق والامر بالسجدة فيها تشريفه تعالى آدم بقرب المنزلة ونعمة الخلافة وكرامة الولاية تشريفا أخضع له الملائكة وأبعد منه إبليس لمضادة جوهر السعادة
الانسانية فصار يفسد الامر عليه كلما مسه ويغويه إذا اقترب منه كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله.
وقد عبر الله سبحانه عن إنفاذه أمر التكوين في مواضع من كلامه بلفظ الامر أو ما يشبه ذلك كقوله: " فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " حم السجدة: 11، وقوله: " إنا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها " الاحزاب: 72 وأشمل من الجميع قوله: " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " يس: 82.
فان قلت: رفع اليد عن ظاهر القصة وحملها على جهة التكوين المحضة يوجب التشابه في عامة كلامه تعالى، ولا مانع حينئذ يمنع من حمل معارف المبدء والمعاد بل والقصص والعبر والشرائع على الامثال، وفي تجويز ذلك إبطال للدين.
الصفحة 29

قلت: إنما المتبع هو الدليل فربما دل على ثبوتها وعلى صراحتها ونصوصيتها كالمعارف الاصلية والاعتقادات الحقة وقصص الانبياء والامم في دعواتهم الدينية والشرائع والاحكام وما تستتبعه من الثواب والعقاب ونظائر ذلك، وربما دل الدليل وقامت شواهد على خلاف ذلك كما في القصة التي نحن فيها، ومثل قصة الذر وعرض الامانة وغير ذلك مما لا يستعقب إنكار ضروري من ضروريات الدين، ولا يخالف آية محكمة ولا سنة قائمة ولا برهانا يقينيا.
والذي ذكره إبليس في مقام الاحتجاج: " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " من القياس وهو استدلال ظني لا يعبأ به في سوق الحقائق، وقد ذكر المفسرون وجوها كثيره في الرد عليه لكنك عرفت أن القرآن لم يعتن بأمره، وإنما آخذ الله إبليس باستكباره عليه في مقام ليس له فيه إلا الانقياد والتذلل، ولذلك أغمضنا عن التعرض لما ذكروه.
قوله تعالى: " قال اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين " التكبر هو أخذ الانسان مثلا الكبر لنفسه وظهوره به على غيره فإن الكبر والصغر من الامور الاضافية ويستعمل في المعاني غالبا فإذا أظهر الانسان بقول أو فعل أنه أكبر من غيره شرفا أو جاها أو نحو ذلك فقد تكبر عليه وعده صغيرا، وإذ كان لا شرف ولا كرامة لشئ على شئ إلا ما شرفه الله وكرمه كان التكبر صفة مذمومة في غيره تعالى على الاطلاق إذ ليس لما سواه تعالى إلا الفقر والمذلة في أنفسهم من غير فرق بين شئ وشئ ولا كرامة إلا بالله ومن قبله، فليس لاحد من دون الله أن يتكبر على أحد، وإنما هو صفة خاصة بالله سبحانه فهو الكبير المتعال على الاطلاق فمن التكبر ما هو حق محمود وهو الذي لله عز اسمه أو ينتهي إليه بوجه كالتكبر على أعداء الله الذي هو في الحقيقة اعتزاز بالله، ومنه ما هو باطل مذموم وهو الذي يوجد عند غيره بدعوى الكبر لنفسه لا بالحق.
و " الصاغرين " جمع صاغر من الصغار وهو الهوان والذلة والصغار في المعاني كالصغر في الصور، وقوله: " فاخرج إنك من الصاغرين " تفسير وتأكيد لقوله " فاهبط منها " لان الهبوط هو خروج الشئ من مستقره نازلا فيدل ذلك على أن
الصفحة 30

الهبوط المذكور إنما كان هبوطا معنويا لا نزولا من مكان جسماني إلى مكان آخر، ويتأيد به ما تقدم أن مرجع الضمير في قوله: " منها " وقوله: " فيها " هو المنزلة دون السماء أو الجنة إلا أن يرجعا إلى المنزلة بوجه.
والمعنى: قال الله تعالى: فتنزل عن منزلتك حيث لم تسجد لما أمرتك فإن هذه المنزلة منزلة التذلل والانقياد لي فما يحق لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين أهل الهوان وإنما أخذ بالصغار ليقابل به التكبر.
قوله تعالى: " قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين " استمهال وإمهال، وقد فصل الله تعالى ذلك في موضع آخر بقوله: " قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم " الحجر: 38، ص: 81، ومنه يعلم أنه أمهل بالتقييد لا بالاطلاق الذي ذكره فلم يمهل إلى يوم البعث بل ضرب الله لمهلته أجلا دون ذلك وهو يوم الوقت المعلوم، وسيجئ الكلام فيه في سورة الحجر إنشاء الله تعالى.
فقوله تعالى: " إنك من المنظرين " إنما يدل على إجمال ما أمهل به، وفيه دلالة على أن هناك منظرين غيره.
واستمهاله إلى يوم البعث يدل على أنه كان من همه أن يديم على إغواء هذا النوع في الدنيا وفي البرزخ جميعا حتى تقوم القيامة فلم يجبه الله سبحانه إلى ما استدعاه بل لعله أجابه إلى ذلك إلى آخر الدنيا دون البرزخ فلا سلطان له في البرزخ سلطان الاغواء والوسوسة وإن كان ربما صحب الانسان بعد موته في البرزخ مصاحبة الزوج والقرين كما يدل عليه ظاهر قوله تعالى: " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون " الزخرف: 39، وظاهر قوله: " احشروا الذين ظلموا وأزواجهم " الصافات: 22.

قوله تعالى: " قال فبما أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم " إلى آخر الآية.
الاغواء هو الالقاء في الغي والغي والغواية هو الضلال بوجه والهلاك والخيبة، والجملة أعني قوله: " أغويتني " وإن فسر بكل من هذه
صلوات على محمد وال م صلوات على محمد وال م صلوات على محمد وال م صلوات على محمد وال م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://back95.yoo7.com
 
الميزان في تفسير القران الكريم الجزء الثامن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الميزان في تفسير القران الكريم
» الميزان في تفسير القران الكريم الصفحة31
» صور القران الكريم
» التفاعل مع القران الكريم
» تحميل القران الكريم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عشاق وعاشقات اهل البيت عليهم السلام :: فئة الاسلامية والحسينية :: منتدى الاسلامية-
انتقل الى: